موت العلماء ثُلمة لا يسُدها شيءٌ
شرّف الله العلم واهله وجعل الله العلم الشرعي سبيلاً لتحقيق مقامات العبودية كخشية الله قال تعالى {انما يخشى الله من عباده العلماء}، فالعلم هو الطريق الموصل الى الجنة.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة) وفرق شاسع بين من أخذ بالعلم ونهل منه ومن ترك العلم وأهمله فلا يستوي عالم وجاهل قال تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} فقد جعل الله العلماء في منزلة رفيعة ودرجة عالية قال تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} وقد اختص الله من خلقه من أحب فهداهم للايمان ثم اختص من المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة ورزقهم مافيه الغبطة المشروعة. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاحسد الا في اثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) رواه البخاري ومسلم.فالعلماء أراد الله بهم خيرا ففقههم في دينه ورفعهم بالعلم وزيّنهم بالحلم وجعلهم منارا للهدى فيهم يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل ولايعرف الناس كيف يعبد الله الا ببقاء العلماء ولا يعرف الناس كيفية أداء الفرائض الا عن طريق العلماء فهم الذين يقومون بتعليم الجاهل وتنبيه الغافل الخلق يدعون لهم ولاينكرون فضلهم فالكل يستغفر لهم حتى الحيتان في جوف الماء. عن ابي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وان العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في جوف الماء وان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدرعلى سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) رواه احمد وابن حبان وصححه الألباني.وعن زر بن جيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ماجاء بك؟ قلت ابتغاء العلم قال: انه بلغني ان الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم فالعلماء أفضل من العباد وأعلى درجة من الزهاد مجالسهم تفيد الحكمة حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة وثلمة لايسدها شيء فهم ورثة الأنبياء والأنبياء ورثوا العلم النافع الذي به حياة القلوب والأبدان والفوز برضى الرحمن فالعلماء في طلبهم للعلم قربة وفي بذلهم للعلم قربة وفي مذاكرتهم له مع بعضهم البعض أجر وفضل وفي سفرهم وخروجهم لطلب العلم أجر وفضل فقد جمع الله للعلماء الخير من جهات كثيرة ومن خالطهم في حياتهم وحرص على مجالستهم وطلب العلم على أيديهم نور الله بصيرته وحفظ عليه دينه.
فخالط رواة العلم واصحب خيارهم
فصحبتهم زين وخلطتهم مغنم
ولا تعد عيناك عنهم فانهم
نجوم اذا ما غاب نجم بدا نجم
فوالله لولا العلم ما اتضح الهدى
ولا لاح من غيب لنا رسم
[العلماء في الأرض كالنجوم في السماء]
خلق الله كل شيء لحكمة وجعل له فائدة تحقق الغاية من خلقه ومن ذلك النجوم التي في السماء قال تعالى {انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد} [الصافات ٦-٧ ] وقال تعالى {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} فالنجوم جعلها الله زينة للسماء فهي في السماء كالثرية المعلقة تجمل المكان.والنجوم رجوم للشياطين التي تريد استراق السمع فتنزل عليها النجوم فتدمر تلك الشياطين والنجوم يهتدى بها في البر والبحر فمن يعرف اماكنها واسماءها يستطيع معرفة الاتجاه الصحيح الذي يوصله الى المكان الذي يريد دون ان يضل طريقه فالنجوم نعمة من الله تسهل على العباد حياتهم وتساهم في اتمام أعمالهم والعلماء في الأرض كالنجوم في السماء فالعلماء زينة الأرض ويهتدى بهم في الأرض لمعرفة الدين، وهم رجوم لشياطين الأنس من أهل الضلال فهم ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وتأويل المبطلين وفي موتهم مصيبة يحزن لها أهل الاسلام فنفعهم متعد لغيرهم وبموتهم ينطفئ مشعل يستضاء به.
[قبض العلم بموت العلماء]
عن عطاء بن ابي رباح رحمه الله أنه قال في تفسير قوله تعالى {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} قال عطاء نقص الأرض ذهاب فقهائها وخيار أهلها وقبض العلم وذهابه يكون بموت العلماء. عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ان الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) اذا فموت العلماء هو قبض للعلم وقبض العلم نذير بقرب الساعة لأنه اذا كثر الجهل وتنكر الناس لدينهم فعلى الدنيا السلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاتقوم الساعة حتى يقبض العلم) رواه البخاري.قال ابو الدرداء رضي الله عنه: تعلموا العلم قبل ان يقبض وقبضه ان يذهب بأصحابه العالم والمتعلم شريكان في الخير وسائر الناس لا خير فيهم ان أفضل الناس رجل عالم افتقرالى علمه فنفع من افتقر اليه مالي أرى علمائكم يموتون وجهالكم لا يتعلمون ولقد خشيت ان يذهب الأول ولايتعلم الآخر ولو أن العالم بذل العلم لازداد علما ومانقص العلم شيئا ولو أن الجاهل طلب العلم لوجد العلم قائما فمالي أراكم شباعا من الطعام جياعا من العلم وعن تمام قال كنت جالسا عند محمد بن سيرين إذ جاءه رجل فقال: اني رأيت الليلة ان طائرا من السماء نزل على ياسمينه فنزق منها ثم طار حتى دخل في السماء فقال ابن سيرين هذا قبض العلماء قال تمام فلم تمض تلك السنة حتى مات الحسن البصري وابن سيرين ومكحول وستة من العلماء في الآفاق ماتوا في تلك السنة قال بعض السلف: عليكم بالعلم قبل ان يذهب فان ذهاب العلم موت أهله وقال بعض السلف موت العلماء ثلمة لايسدها شيء ماتعاقب الليل والنهار.
[العلم يرفع أهله وموت العالم نجم أفل]
العلم الشرعي يرفع قدر من طلبه باخلاص وبذله للناس ويجعل العبد في قرب من ربه قال سفيان بن عيينة: أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء. روى مسلم في صحيحه ان نافع بن الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان وكان قد استعمله على أهل مكة فقال: له من استخلفت على أهل الوادي؟ قال:استخلفت عليه ابن أبجة فقال من ابن أبجة؟ قال رجل من موالينا فقال عمر استخلفت عليهم مولى؟ فقال: انه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض» فقال عمر ألا ان نبيكم صلى الله عليه وسلم قال:ان الله يرفع بهذا العلم أقواما ويضع به آخرين.
[في الليلة الظلماء يفتقد البدر]
في يوم الثلاثاء الثامن عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة احدى وثلاثين وأربعمائة وألف فقدنا عالما جليلا وهو الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله وقد توفي عن عمر ناهز الخامسة والثمانين والشيخ عبدالله ولد عام ١٣٤٥هجرية في مدينة الزلفي احدى مدن بلدان نجد وانتقل الى الرياض وطلب العلم فيها وجلس للتدريس فيها وعين عضوا للافتاء ومن مشايخه:
-1 الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ.
-2 الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
-3 الشيخ عبدالله الخليفي في الفقه.
-4 الشيخ عبدالعزيز بن رشيد في الفقه والتوحيد والفرائض.
-5 الشيخ عبدالرحمن الافريقي في المصطلح والحديث وقد التقيت بالشيخ عبدالله في مكة وحضرت مجلسه واستفدت منه وكان رحمه الله مثالا للعالم الزاهد الحريص على نفع الناس وقد فقدنا قبله الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين فقد توفي عن عمر ناهز الثمانين فالشيخ عبدالله بن الجبرين ولد سنة ١٣٤٩ هجرية في بلدة محيرقه احدى نواحي محافظة القويعية غرب الرياض وحفظ القرآن في صغره ودرس العلوم المتنوعة على والده فقرأ عليه الأربعين النووية وكتاب التوحيد وفضل الإسلام وعمدة الأحكام واصول الايمان وكان لوالده مكتبة كبيرة فكان يكثر من الاطلاع على كتبها ثم انتقل للرياض ودرس على العلماء وجلس للتدريس وعين عضوا في الافتاء وقضى عمره بين الافتاء والتعليم ومن مؤلفاته:
-1 شرح منهج السالكين لابن سعدي.
-2 شرح العقيدة الواسطية.
-3 شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة.
-4 شرح كتاب التوحيد.
-5 رسالة في أضرار التدخين وتحريمه.
وقد التقيت الشيخ عبدالله الجبرين رحمه الله وحضرت له دورة علمية مكثفة في التفسير والحديث والعقيدة واستفدت من علمه جزى الله علمائنا كل خير ونسأل الله ان يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.